U3F1ZWV6ZTQyNDQyNjI0MjQwMzkzX0ZyZWUyNjc3NjQ3NzQyMTE0NQ==

الدولة بين الحق والعنف

تمهيد للمحور:

إذا كانت السلطة السياسية قائمة على فطنة الحاكم ودهائه، أو على اعتداله وحكمته، أو على الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان؛ فإن الدولة، وإن كانت وظيفتها الأساسية هي احترام الحقوق وضمان الحريات، قد يشوب ممارساتها الكثير من الشطط، فتتحول إلى سلطة قاهرة مستبدة، وإلى جهاز يمارس التسلط والهيمنة والعنف. غير أن الدولة، سواء أكانت قديمة أو حديثة، ديموقراطية أو استبدادية، لا يمكنها أن تستغني عن العنف، ذلك أن وظيفتها الأساسية هي ممارسة العنف الشرعي والمنظم بقوانين وإجراءات. فالممارسات التي ترى الدولة أنها غير قانونية تتدخل ضدها لمحاصرتها والقضاء عليها، ولذلك تلجأ إلى ممارسة العنف لحماية الحق العام. فهل تمارس الدولة سلطتها بالقوة أو بالقانون، بالحق أم بالعنف؟ ألا يمكن الحديث عن عنف مشروع تحتكره الدولة؟ وهل دولة الحق دولة عنف؟ وما هي أسس قيام الدولة الحديثة؟

الأطروحة 1    لـ:ماكس فيبر  النص رقم7ص135

يؤكد فيبر في سياق حديثه عن السياسة وعلاقتها بمفهوم الدولة، أن هذه الأخيرة تحتكر حق ممارسة العنف المشروع. فماذا يقصد فيبر بالسياسة؟ وبأي معنى يكون العنف المادي مشروعا ووسيلة مميزة للدولة؟
يعرف فيبر السياسة، بشكل حصري، بأنها “قيادة تجمع سياسي يسمى الدولة، أو التأثير الذي يمارس في هذا الاتجاه”، إنها “مجموع الجهود التي تصدر عن تجمع سياسي ما، للمشاركة في السلطة أو التأثير في توزيعها بين الدول، أو بين مختلف التجمعات السياسية داخل نفس الدولة”. ويوضح صاحب سوسيولوجيا الفهم أن الدولة العصرية تعرف سوسيولوجيا من خلال الوسيلة الخاصة بها والمتمثلة في العنف المادي. ومعنى هذا هو أن أساس الدولة هو العنف، بل إنها تمثل مصدرا له، وفي غياب ممارسته، فإن الدولة تختفي وتحل محلها الفوضى. غير أن العنف الذي تمارسه الدولة يعتبر مشروعا، ولذلك لا يحق لأي فرد أو جماعة، كيفما كان نوعها، أن تمارس أي نوع من أنواع العنف، إلا بتفويض من الدولة. إن ممارسة العنف المادي من اختصاص الدولة، لأنها تعتبر المصدر الوحيد للحق في العنف المشروع القائم على القانون.
إن الدولة، بوصفها تجمعا سياسيا منظما إداريا وقانونيا، لها الحق في ممارسة العنف المادي، فهي وحدها تمتلك هذا الحق وتحتكره، إنه الوسيلة المميزة لها.

الأطروحة 2    لـ:جاكلين روس   النص رقم8 (نص إضافي)[1]

تعرف جاكلين روس دولة الحق باعتبارها صيغة قانونية قائمة على القانون والحق الخاضعين لمبدأ احترام الشخص، باعتباره وازعا لضمان الحريات ومراعاة الكرامة الإنسانية؛ والعمل تبعا لذلك على تجنب ومناهضة كل ما من شأنه أن يخل بهذا المبدأ من ظلم وطغيان وتعسف وعنف وغيرها. فالدولة لا تقوم فقط على العنف المشروع، كما يرى فيبر، بل تقوم كذلك على فكرة الحق؛ ولتفادي التجاوزات الممكن حصولها إثر التمسك بهذا الحق، يلزم كذلك وضع حدود ممكنة تشكل الضامن الأساسي لحياة الفرد والجماعة من كل شطط في ممارسة السلطة واستغلالها. ولكي تتمكن الدولة من ممارسة معقلنة للسلطة لا يجب أن يكون الأساس الذي تقوم عليه، حسب جاكلين روس، هو القانون فحسب، بل يجب أن تقوم أيضا على الحق وفصل السلط؛ لأن هذه المرتكزات الثلاثة هي التي تضمن احترام الأشخاص وحمايتهم واحترام حرياتهم وكرامتهم ومصالحهم المشتركة.
إن الدولة لا تتأسس على العنف، بل على الحق والقانون وفصل السلط، باعتبارها الضامن لاحترام الشخص وحفظ حريته وصيانة كرامته الإنسانية.

الأطروحة 3   لـ: عبد الله العروي النص رقم9 ص136 

إن دولة الحق، حسب العروي، هي التي تجمع بين ما هو تنظيمي إداري (جهاز) وبين ما هو ذهني وسلوكي أخلاقي (أدلوجة). ذلك أن أجهزة الدولة التوجيهية والتأديبية وحدها لا تضمن الاستقرار، ولهذا فإن الدولة العصرية يلزمها ضرورة امتلاك أدلوجة تضمن ولاء المواطنين وإجماعهم وتوحيد ذهنياتهم وسلوكاتهم. فالمواطن عندما يشعر أنه عضو فاعل في مجتمع سياسي، فهو يرتبط ذهنيا وسلوكيا بالدولة وبشرعيتها، ويدافع عنها عقليا ووجدانيا. إن دولة الحق، في نظر العروي، هي دولة القانون والمؤسسات، وتجمع السياسة والأخلاق، القوة والإقناع؛ في حين أن دولة الاستبداد تبقى معزولة عن الناس، وهذا ما يجعلها هشة ومعرضة دوما للفردانية والتسلط. من هنا يعتبر العروي أن الدولة القائمة في المجتمعات العربية لا تعبر عن نشأة مجتمع سياسي، لأنها تفتقر إلى محددين هما: الشرعية والإجماع، مادام أنها لم تقطع مع الإرث السلطاني ولا مع التحديث الشكلي، وما دام أنها لم ترسخ بعد في الذهنيات والسلوك.
إن دولة الحق، بوصفها تعبيرا عن نشأة مجتمع سياسي وبوصفها جهازا وأدلوجة، تقوم على الشرعية والإجماع، فهي اجتماع وأخلاق، قانون ومؤسسات، قوة وإقناع، ولا تقوم على الفردانية والاستبداد، أو على القهر والاستغلال.

 

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق